بعد أن أدى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ثمن التناوب التوافقي من جلدة انسجامه ومن جسده التنظيمي ومن دم ذاكرة ماضيه ورموزه.. هل جاء الدور على حزب الاستقلال؟
شيء ما فاسد في حزب علال الفاسي، يضرب في العمق القيم الأخلاقية التي ظلت بمثابة الإسمنت اللاحم بين كل الاستقلاليين لمواجهة التحديات والأزمات التنظيمية التي كادت تعصف بالحزب في أكثر من مناسبة، إذ على خلاف كل التنظيمات الحزبية المنحدرة من الحركة الوطنية، ظل حزب الاستقلال، خارج حدث الانفصال الأكبر في يناير 1959، يتميز بتركيبة عجينية تمنحه مرونة أقوى وتكيفا أمثل مع كل اهتزازات الطريق..
لذلك فإن الحديث عن أي انفجار وسط حزب الاستقلال أعتبر أنه لن يحدث إلا في ذهن الصحافيين، لا غير، فقد ظل الاستقلاليون يجمعون بين قيم الزاوية التقليدية المعتمدة على الطاعة والانضباط واحترام الكبار ومراعاة القواعد الاجتماعية وبنية المقاولة الحزبية المرتكزة على توزيع المنافع وحداثة التنظيم وقدرة فائقة على تكييف الخطاب من أقصى المحافظة والتقليدانية إلى أبعد نقطة في الحداثة، والقدرة على تغيير الخطاب الإيديولوجي حسب الموقع السياسي، من المعارضة إلى السلطة أو العكس..
لكن ظلت دوماً هناك خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها لدى عامة الاستقلاليين: الملكية والإسلام على مستوى المطالب السياسية، والانضباط الحزبي وعدم التخلي عن إرث الذاكرة الاستقلالية على المستوى التنظيمي.
لكن اليوم نحس بأن الكثير من الأشياء تبدو فاسدة في حزب الاستقلال.. والمذهل في الأمر، أن القضية لا ترتبط بموقع حزب الاستقلال في علاقته بامتداداته الاجتماعية، فرغم التدبير الصعب للحكومة في سياق الربيع العربي والأزمة العالمية، حافظ حزب الاستقلال بقيادة عباس الفاسي على موقع متقدم في الخريطة السياسية، إذا ما قورن بصنوه الاتحاد الاشتراكي الذي أدى كل ضرائب التناوب من جلده وبالتقسيط المريح وتعرض لعقاب جماعي في الاستحقاقين الأخيرين.
لكن الأزمة داخل حزب الاستقلال، هي ذات بعد أخلاقي داخلي، أعتبر أنها ابتدأت منذ قبل عباس الفاسي بلي عنق القانون الداخلي للحزب وتطويعه في المؤتمر الأخير ليتقدم كأمين عام لولاية ثالثة.. هذه الأزمة جاءت أيضا في السياق العام الذي نجحت فيه أطراف من الدولة في تركيز الأنظار على نفوذ آل الفاسي وإن بشكل عرقي/ قبلي غير موضوعي، وهو ما كان له صداه في وسائل الإعلام وفي الشارع المغربي مع انطلاق الحراك الاجتماعي..
عمل عباس الفاسي على تهميش مجلس الرئاسة، ورغم الضربات التي وُجِّهت إلى عائلته بشكل مليء بالافتراءات، ظل أحيانا كثيرة يتعامل كرب عائلة وليس كزعيم حزب سياسي، وأصبح رهينة لتوافقات تنظيمية قاسية، تفجَّر جزء من الاختلال التنظيمي في الانتخابات الأخيرة، لكن شكل تدبير عباس الفاسي للتفاوض مع الدولة ومع عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة أَوْقعه في مطبات لا تحصى، وقف الرجل ضد استوزار البعض، وتفاوض من موقع تدبير العائلة لا الحزب، ولم يكن ليعلم أنه مع تعيين الملك للأمين العام للعدالة والتنمية، أصبح مجرداً من أسلحته كرئيس للحكومة وهو موقع نفوذ لإعادة تراتب السلطة ومجال لتوزيع المنافع لإرضاء الغاضبين داخل الاستقلال...
ومع بروز إخفاء عباس الفاسي على أعضاء اللجنة التنفيذية الحقيقة في قضية الاستوزار، والذي لم يكن من اقتراحه في الأصل، بل من طرف الجهة النافذة في الحزب التي أصبح عباس الفاسي بدوره رهينة لها.. ولما خرجت التشكيلة الحكومية انقلب الاستقلاليون الموعودون بالاستوزار على زعيمهم، وأصبحوا يرفعون أمامه شعار: "إرحل" وإن بأقل الخسارات الممكنة! هل حزب الاستقلال على صفيح ساخن؟
أعتقد أن كل العبارات الصحفية المليئة بتضخيم الوقائع والأحداث، قد تبدو عاجزة عن وصف ما يعرفه حزب الاستقلال، لكنها لن تبلغ المراد.. أقصد الذهاب حتى الحديث عن انقسام أو انشطار تنظيمي..
لذلك أعتبر ما يحدث في حزب الاستقلال هو أزمة أخلاقية في التنظيم السياسي، من جهة هناك إخفاء الزعيم للحقيقة عن المناضلين الذين توجوه أمينا عاما عليهم خارج القانون والمنطق السياسي، ومن جهة أخرى هو هذا الجيل الجديد من عبيد المناصب الذين أصبحوا يخترقون أحزابنا السياسية، إذ كيف يتحول عضو قيادي من تمجيد عباس الفاسي إلى ناقد له راغب في الانقلاب عليه لمجرد أنه لم يكن من المستوزرين، ألم أقل لكم إن ثمة شيئا فاسدا.. ليس في الدانمارك بطبيعة الحال!