|
المتواجدون حاليا
|
33 |
زوار اليوم
|
2769 |
| |
|
| |
|
|
ملك الملوك يعود إلى حفرته الأخيرة
أضيف في 31 أكتوبر 2011 الساعة 42 : 08
بقلم : لحسن عدنــان
أهو مكر الصدف وتشابه الحظوظ يقف سببا وراء تشابه نهاية رئيسين عربيين ،اختلفا في كل شيء،واتفقا حول الإمساك بزمام السلطة، وقتل المخالفين، وفتح السجون لكل صاحب رأي، مع ما صاحب مغامراتهما وطيشهما من لغط إعلامي كبير، ومديح المتزلفين وإطراء أنصاف الكتاب والشعراء والمثقفين ؟
أم هي إرادة الله قضت أن يجعل نهاية فراعنة العصر مأساوية ... تراجيدية ... تشبه إلى حد بعيد نهاية الفرعون الأكبر الذي حكم مصر وحكى عنه القرآن في مواقع عديدة؟ ففي الحالين معا،تتشابه حلقات المسلسلين.البطل ،الذي يعتقد نفسه إلها أو نصف إله في أحسن الأحوال إذا كان ولا بد من شيء من التواضع،ينتهي نهاية مأساوية تحت الأرجل تتقاذفه،ويُحمل على متن سيارة كتلك التي تحمل بها الماشية والدواب والأنعام ؟
أي عقل كان يخطر بباله أن تكون هذه نهاية القذافي ومن قبله نهاية صدام حسين،بهذا الشكل الذي لا يستطيع أكثر الناس تفاؤلا أن يتنبأ به ولو في أجمل الأحلام وأكثرها رومانسية؟ بل إنني أجزم أن الأحلام الجميلة ،ما كان لها أن تطوف برأس احد في العراق ولا في ليبيا ،أمام هول المجازر وضغط القبضة الحديدية المطبقة على الشعب قاطبة دون استثناء.
وأي كاتب سيناريو عبقري كان يستطيع أن يتنبأ بما ستؤول إليه أحوال الرجلين وأحوال ذريتهما الفاسدة؟ حيث يجوز أن نقول إن صدام وأبناءه ،وإن القدافي وذريته،كل واحد منهم شر من الآخر.عائلات جوهر وجودها الشرور والآثام وقطع الرؤوس وبتر الأعضاء والزج بالأبرياء في السجون ظلما وعدوانا.
لا أحد بوسعه أن يفهم،كيف تتوفر كل الوسائل والظروف والإمكانيات لتربية هؤلاء الأبناء وتنشئتهم أحسن تنشئة.إن لم يكن على مكارم الأخلاق والتدين الحسن،فعلى الأقل أن يكونوا ذوي مستوى ثقافي عال،وقدرة على الحديث والتواصل والإقناع.المفروض في من ينشأ في حضن سياسي يمارس الحكم أن يكون ملما بما تتطلبه مثل هذه المهام من قدرة على الإقناع والتواصل وربط جسور الثقة مع المحاورين.لا شيء من هذا رأيناه مجسدا في ذرية القذافي وأبنائه... بل هي أخلاق البداوة والغلظة ... وكل كلامهم سافل... وكل سلوكياتهم رعناء بدائية حد التوحش .. ولا قدرة لأحد منهم على الحوار والتواصل في أبسط ابجدياته.
أين نشأ هؤلاء الطواغيت الصغار الذين كانوا يستعدون لحكم العراق وليبيا ؟ أية دماء كانت تجري في عروقهم، وأي حقد أسود كان يملأ جوانبهم ضد شعوبهم؟ وبأي حق نُصبوا على رؤوس الناس يفعلون في خيرات الشعب وأعراضه ما يشاؤون ؟
دعونا نبدأ الحكاية من أولها ...
1- رسول الصحراء أم شيطان باب العزيزية ؟
القدافي شخصية مثيرة للجدل.حسب الكتابات التي اطلعتُ عليها،وحسب بعض مقاطع الفيديو التي شاهدتُها حول هذه الشخصية غريبة الأطوار،لم يُكتب لي-ربما لسوء حظي وربما لسوء فهمي وضحالة معرفتي-أن أقف على موقف واحد كان فيه الرجل جادا ويتحدث بمنطق سليم يفهمه كل الناس ويبنون عليه مواقفهم،سواء بالسلب أو بالإيجاب.ففي مواقع الجد يكون الرجل ساخرا،وفي وقت الحروب يكون وقع سخريته أكثر مرارة على نفوس المشاهدين،وخاصة العرب منهم،وبالأخص الليبيين.
فمشكلة الفكر البشري،منذ عهد حكماء اليونان وحتى قبل أن ينتهي الرجل صريعا بين أرجل الثوار،يحلها القائد الملهم في كتاب صياغته تفوق ضحالة مضمونه.ومع ذلك فقد أقنع نفسه أنه صاحب نظرية ثالثة لتنظيم المجتمعات الحديثة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
وكل مراحل الصراع العربي الإسرائيلي ،وما شهدته المنطقة من توترات وحروب وصراعات نفوذ ووجود،وحجم الاحتقان الذي يسود هذه الأقطار ،يقفز فوقه عميد الحكام العرب،ليختزل الحل في كلمة ' إسراطين" !!! ... وهو منطق لا يقنع العجائز ومن أصابهم الخرف في أرذل العمر،لكن الرجل يدافع عن اقتراحه في قمة عربية،المفروض أنها مؤتمر يحضره القادة والزعماء وليس ملتقى للمهرجين والمشعوذين.ولكن ما العمل إذا اختلط الجد بالهزل،واختلط الخل بالعسل ؟؟
أما مشاكل إفريقيا ،والتي تعجز العقول الإستراتيجية الكبيرة في إفريقيا وفي العالم عن إيجاد الوصفة السحرية لمعالجتها،فالجفاف يتعاقب على بلدان كثيرة منها،والحروب وخاصة الحروب الأهلية تفتك بها ، والأمراض والمجاعات ومخلفات حقبة الاستعمار،كل هذه المشاكل يجد القدافي حلا لها في تأسيس الولايات المتحدة الإفريقية،وتنصيبه هو لا أحدا سواه، ملكا أو ملك ملوكها.وكلها ترهات لا يصدقها الأطفال الصغار فكيف بالحكماء والعقلاء؟
وقس على هذا بدعة تغيير التقويم التاريخي من الهجري إلى ما بعد وفاة الرسول ص...
وتمزيقه للقانون الأساسي للأمم المتحدة من على منصتها على مرأى من رؤساء وزعماء العالم...
ومواصلته للعبة الخيمة بكراسيها البلاستيكية البئيسة،في حين يكدس هو وأولاده ملايير الدولارات في البنوك الخارجية ...
ويبقى ولعه بالألقاب والصفات مرضا ووسواسا خطيرا،ربما لم يظهر بعد علماء نفس يستطيعون تشخيصه بكل دقة وتجرد.فهو العقيد... الزعيم ... قائد الثورة الليبية... أمين القومية العربية ... عميد الحكام العرب... مهندس النهر الصناعي العظيم... مفجّر عصر الجماهير... رئيس الاتحاد الإفريقي... ملك ملوك إفريقيا... إمام المسلمين... وهو رسول الصحراء أيضا،عنوان سيرته الذاتية من إعداد الصحفية والكاتبة الإيطالية : ميريلا بيانكو ... ويبدو أن الرجل صدق نفسه،فحين خاطبته : يا رسول الله ، أكنت راعي غنم ؟ فأجابها بقوله : بلى ، فلم يكن هناك نبي لم يفعل ذلك! ( حسب ما تنقله بعض المواقع الإلكترونية )
لكن يبدو أن أهل ليبيا ،وخاصة سكان طرابلس،لم يروا في باب العزيزية إلا رجلا متعجرفا يأتي من الأفعال والسلوكيات ما هو أشبه بفعل الشياطين... وإلا متى كان الرسل يقتلون ويسرقون ويتجبرون على خلق الله وينشرون في الأرض الفساد ؟
2- سيزيف العربي قدره أن يعود إلى حفرته الأخيرة ..
(في الأسطورة الإغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتى قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، هكذا بلا نهاية...) وهي نفس المأساة التي يكررها أكثر من حاكم عربي،لكن بدل أن يكون هو من يحمل الصخرة الثقيلة،فإنه يضع هذه الصخور على ظهور الرعية.ومطلوب أن يستمر ويتواصل هذا العذاب كي يرضى الحاكم ويحس بالفعل أنه قوي.ولذلك،لم يصدق هؤلاء الحكام الثوريون "السيزيفيون" أن تثور الشعوب في وجوههم.لقد شكلوا صورة نمطية عن المواطن عنوانها السمع والطاعة في المنشط والمكره،في الشدة والرخاء،في الحرب وفي السلم.أصبح مجرد التفكير في عصيان أمر، مهما كان تافها،قد يكلف المواطن رأسه في الجمهوريات الثورية بلا ثورة،والتقدمية بلا تقدم،والمقاومة بلا مقاومة.
لكن ما يصدق على الواقع ليس هو ما تحكيه الأساطير.ومشكلة كثير من الدكتاتوريات تكمن بالأساس في غبائها التاريخي،وعدم قدرتها على التكيف مع معطيات الفترة التاريخية التي تمر بها الشعوب ويمر بها العالم قاطبة.وهو ما يجعل الفاتورة التي تدفعها يوم الحساب طويلة وعريضة.
كان بإمكان القدافي،كما كان بإمكان سلفه صدام حسين،أن يستوعب الدرس من خلال ما وقع في بلدين مجاورين له،هما تونس ومصر.فنجاح ثورتين في فترة قصيرة جدا كان بمثابة رسالة تحذير له هو على وجه الخصوص.لقد صبر الشعب الليبي أربعة عقود متوالية،وكان ممكنا الشروع في إصلاحات سياسية حقيقية تعيد للمواطنين شيئا من الثقة،وتكون مقدمة للقطع مع حكم الفرد.لكن،وكما هي عادته،حول القدافي ثورتين كبيرتين إلى مجرد فرصة للتنكيت و"الفرفشة ".
وهكذا تابع العالم،وخاصة العرب،تلك الخرجة الإعلامية للقدافي وهو يلوم الشعب التونسي على ثورته ضد زين العابدين،ومما قاله أنه كان واجبا أن يصبروا على "الزين" فلن يجدوا أحسن منه.وقال عن الرئيس مبارك بأنه فقير ولا يجد حتى ما يشتري به ملابسه !!
التقط الشعب الليبي الرسالة،وعرف أن الرجل بدأ يحس باقتراب النار من خيمته.وما يعتقده هو مجرد هزل،يمثل بالنسبة للشعب التواق للحرية والكرامة،فرصة يجب اقتناصها... فكانت بداية الثورة "المستحيلة" لأن الشعب فعلا أراد الحياة.. وأراد الكرامة والعدالة... وأراد أن يزيح سيزيف من قمته.
واليوم ها هو سيزيف ليبيا ينتهي في حفرة بئيسة ... ينتهي أشبه بالجرذان وهو الذي طالما عيَّــر أبناء شعبه بهذه الصفة القبيحة في أكثر من خطاب وأكثر من تسجيل.لقد قلب الشعب الليبي صفحة سوداء من تاريخه المعاصر،نتمنى أن تكون آخر صفحة في تاريخه كله بهذا اللون وبهذه القتامة.
وبعد،هل يستوعب الجالسون الآخرون على الكراسي والعروش في باقي البلدان العربية هذا الدرس جيدا ؟ هل يقرؤون المستقبل قراءة صحيحة فينصاعون لمطالب الشعوب وإرادتها ؟
لست متفائلا ... لكنني أحاول إبعاد تهمة التشاؤم عني وعن الآخرين.فنحن في نهاية المطاف،كباقي شعوب العالم الحر،نريد أن نرى رئيسا أو زعيما يسلم مقاليد السلطة لمن أفرزته صناديق الاقتراح بعد فترة حكمه المحدودة والمتفق حولها دستوريا... لا نريد قائدا ملهما ... ولا قائدا ضرورة ... ولا معبودا للجماهير ... ولا بطلا استثنائيا.كلها مجرد أوصاف وألقاب تبث أنها لا أصل ولا معنى لها في ساعة الجد.بل نريد شعوبا مسؤولة تقرر مصيرها بنفسها،وتختار من يقدم لها الأحسن في السياسة والاقتصاد والتعليم والخدمات الاجتماعية.
وفي نفس الوقت ،فإننا نحلم أيضا ،ألا ينتهي أي حاكم عربي آخر ، في حفرة ضيقة تصفق له الحشرات والجراثيم وديدان الأرض،وتعتبره بطلها القومي في مجاري المياه العادمة ...
لكن هذا متوقف على مدى حرص كل حاكم على صيانة كرامة شعبه و الدود عن حريته والسعي الدؤوب نحو ازدهاره...
ليعلم الحكام،كل الحكام،أن كرامتهم مشروطة بالحفاظ على كرامة شعوبهم... فكل من يهين شعبه ربما تكون نهايته أكثر مأساوية.ويومها لا تنفع سلطةُ صاحبها،ولا يرثيه شاعر ... ولا يخاف من إلقاء القبض عليه أو قتله ثائر .
يا رب نسألك حسن الخاتمة ..
|
|
|
|
|
|
|
|