رمضان بنسعـــدون(صحفي/ عين بني مطهر)
بالرغم من الجهاد و المقاومة في وجه الإمبريالية الغربية و الصهيو/أمريكية ، استطاعــت أن تحقق أهدافها من خلال احتلالها للعديد من دول العالم العربي و الإسلامي و قد خرجت مــن الباب بعد نهبها لكل ثروات و مقدرات مستعمراتها لتعــــود إليها مــن حنايا النافذة فتنفث عليها مجددا سموم غزوها الثقافي الذي بات يسري كعلة في شرايين المجتمع الإسلامي و يفكك أوصاله و روابطـــه و قــد أحدث حلقة مفصلية بين ماضي الأمة العربية و حاضرهــــا و يوشك أن يقضي علـــى آمـــال الشباب العربي الذي لم يقدم على خطة بحزم ضد الحرب الثقافية التي تعد الأكثر فتكــــا من الآلة العسكرية الرهيبة .. أتى هذا الغزو عقب الوهن الذي تخلل الجسم العربي و لم يقـــو على مجابهة الغرب و الصهيو/أمريكية التي ما فتئت تجثم على صدر الأمة و قد حذر منها الرسول الكريم فــي حديثه: سيصيب الأمة الوهــــن و تتداعى عليها الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها .. و قد عزى مهتمون هذا الضعف إلــى انجراف شباب العالمين العربي والإسلامي مع تيار الحضارة المعاصرة و بات منسلخ الهوية ، بعيدا عن انتمائه الأصلي و ثقافته و تراثه الموغل في التاريخ و لم يعـــــد مرتبطا بدينه و عقيدته التي تعد أعظم ديانــــة ختم بها الله رسالاته و أصبح هذا الشباب الغفـــــــل منجذبا بالتقاليد الغربية التي سلبته و أخذت بتلابيب عقله ، سواء في الهندام و تسريحات الشعروصيحات الموضة و الموسيقى وغيرها .. و لم تشفع للعرب حملهم لمشعل الفكر الإنسانـي و الحضارة الإسلامية طوال ستة قرون ، كانت القارة العجوز خلالهـــــا تقع تحت كابوس الجهل و دياجيره ، إلا أن هذه الأخيرة لم تتوان في الارتشاف من حوض المعرفة التي تركهـــــا العرب و أخذت أوروبا بأسباب الحضــــارة و بنت صرحهــــا و مقوماتها باعتمادها إبداعات علمائنا في مجالات الطب من ابن سينا الذي حلل الدورة الدموية قبل وليام هارفي بكثير إلـــى إبن زهر الـــذي اكتشف الجراثيم الطفيلية قبل باستور بثمانية قرون و ابن ألينا ، الرياضي الشهير الذي اختـرع التلخيص في رسالة منهاجية فـــي الجبر و مقدمة إبن خلدون التي أطبقت الآفــاق فــــي علم الاجتمـاع و غيرهم من علماء الفلك و الهندسة و الاقتصاد و مجالات عدة بما انطوت عليه جوانحهم مــن قـوى عقلية كامنة لم تنطلق من عقالها إلا من تحت لواء القرآن الكريم بزعامــــة محمــد (ص) و تمكنوا من ذلك منذ أن أشرقت شمس حضارتنا بفضل كتاب الله الذي هو قوام دين و دستور سياسة ، السياسة التي أراد العلمانيون المغرضون فصلها عن الدين في وقت أن رســــول الله كان رجل دين و سياسي محنك و القرآن أيضا بحر أخلاق و قاموس لغة و ديوان ثقافـة و عنـوان حضارة ، و بكل هذا التراكم الثقافــي و الحضاري ، وجدت أوروبا أعظم تألق لهـا إلى يومنا هذا حيث ترفــل شعوبها فـــي النعيم المقيم على أيدي المسلمين الذين حيل بينهم و بين التقدم الإنساني الذي ساهموا في بنائه بفعل عوامل قوضت التفوق العلمي العربي و لا زالت ، فما الذي جعــــــــل الغرب يخضع العالــــم العربـــي و الإسلامي تحت نير الإمبريالية ، و ما الذي جعل أمريكا و الغرب يجهــزا على العراق و شنق حاكمه و إعدام نحو 60 عالم ذرة عراقي ، من الذي قضى على يحـــي المشــد عالم الذرة المصري قبــل 30 عامــــــــا ، لماذا أعدم السوفيات ما يفــوق 100عالم أفغاني غداة الغـزو الروسي لأفغنستان عام 1980 من الذي ساهم فــــــي تهجير عشرات الأدمغة العربية من مواطنها و ما خفي أعظم.. لقد أخد الغرب منــــــــا العلم و عمل به و ذهب به بعيدا في مدارج العلم و المعرفــة و البحث و وصل إلى مدى كبير فـــي مجالات التكنولوجيا و العلوم ، غزا الفضـاء و اخترع ما جد في ميادين الطب ، الهندسة ، المعمــــار و غيرها و تعدى ذلك إلى علم الذرة و الطاقـــــــة الشمسية و أنتج منها الطاقات البديلة ما يغنيــه عن التلوث البيئي و تقليص أعبـاء الحياة اليومية .. لكن العرب ، انقلبت عليهم الأمور رأسا علــــــــى عقب كما ينقلب السحر علـى الساحر ، فأصبحوا تابعيـن كما جاء في محكم النص القرآنــي ( لـــن ترضى عنك اليهود و النصارى حتــى تتبع ملتهم..) و الله عز و جل لا يريد أن تكـــــون الأمة الإسلامية ذيلا و هو جعلها رأسا ..
و اللافت للنظر ، أن العرب في ظل انغماسهم من رؤوسهم إلى أخماص أقدامهم فــي التقاليـــــــد الغربية و تقليدها ، تناسوا و نسوا ثقافتهم و موروثهم الحضاري و اختلطت عليهم المفاهيــــــم و فقدوا البوصلة و صاروا يخبطون في العشواء ، دونما تفكير و لا جادة صحيحة بعيديـــــن كل البعد عن كـل ما يمت للعروبة و الإسلام و أن كل ما يأتي من الغرب فهو الأصلح في حياتهـم اليومية و ما دام العالم العربي و الإسلامي الذي كان مركز إشعاع فكري ، روحي و حضاري على مدى عصور بعيدا عـــن تلقين الناشئة علوم دينهـــــم وفق منهــــاج الكتاب و السنة و التشبث بالمسجد كدعامة أساسية فـــي بناء الدولة ، فلن تقوم للعرب قائمة .. و قد قال يوما أحد الساســــــة الصهاينة ، ما دام المسلمون لا يملئون مساجدهم في صلاة الفجر فإننا متمكنون منهــــم و غداة هزيمة 67 قال موشي دايان إن الطريق أصبح سهلا للدخــــــــول إلـــى مكة و المدينة ..لماذا هذا الكلام ؟ لأن العرب نائمون ، فبالأمس فـــي 27 من شتنبر2010 داست أقدام يهودية نجسة باحــــــة المسجد الأقصــى و لم يقم أحد بهبة لنصرتـــه ، سوى أولائك الذين يحيطون بأكناف زهرة المدائن صدورهــم عاريــة فــي وجه أعتى طغيان عسكري علـى وجه الأرض و مع ذلك فهم لا يخشون في الله لومة لائم ، يكافحون بإيمانهم إلى آخر رمق من حياتهم .. و الصهاينة لا ينامون ، فهم يضعون العجلة في دواليب الإسلام منـذ فجر الدعوة الإسلامية و مـا فتئوا يخططون و يقومـون بحفريات مزعومة تحت المسجـد الأقصى بداعــــي البحث عـن هيكل سليمان.. و الشعبين الفلسطيني و العراقي يتعرضون لنزيف دمــوي يومـي و يشتكون ظلم الصهاينة والأمريكان ، فلا يتداعى لهم سائر الدعم و المناصرة من كافة العرب و المسلميـن و فالزعيم العربي الوحــيد الذي جابه أمريكا و الغرب صدام حسين الذي استشهد من أجل مصالح الأمة العربيـة و الإسلاميــــة ، فإن الغرب يستعمل ا زدواجية المعايير للهيمنة ظلما و عدوانا على العالـم ، و قـــد لقـن صدام الدروس لأمريكا و كان نموذجا مثاليـا لأولئك المدافعيـــن عـــن همـــــوم شعوب العالم ضد الامبريالية العالمـة و فـــي مقدمتها نصرة الشعب الفلسطيني المضطهد من قبل الصهيونية ، فلا يمكن فـي الوقت الراهن أن تبقى الشعوب العربيـــة و الإفريقية خانعــة تحت تبعية الغرب بـل يتعين على هذه الشعوب مطالبـة أنظمتها الدول الأوروبية بــأن تعيد لمستعمراتها ثرواتها المنهوبة أو تقـوم بمشاريــــع بالدول العربيـة و الإفريقية إذا أرادت تفادي الهجرة المتدفقة نحوها .. فإن الكثيرممـن يستكيــن للمهادنة و المداهنــــة للغرب بدأت كراسي حكمهم تتهاوى الواحد بعد الآخر في ظل ربيع ديمقراطي من خلال ثورات شعبية تروم إلى إسقاط رموز الفساد في البلاد العربية حتى ينعم الجميع بخيرات البــــلاد ، فإن حسني مبارك الذي كـان العميل الأول لإسرائيل لم تستطع حمايته و لا حتى أمريكا التـــــــي كانت تغدق عليه ملايير الدولارات شأنه في ذلك شأن بنعلي و يأتي الدور على علي صالح و القذافي و بشار الأسد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ، فإن الله صب عليهم سوط عذاب بأيدي شعوبهم .. و ما يربـــو على 30 سنة مــــن حكم بعض هؤلاء ذهبت إلى مزابل التاريخ .. و السؤال الذي يطرح نفسه بشدة ، هل هـذه الهبات الشعبية العربية توقض العرب و يمتشقوا النهج الديمقراطي و يعتمدوا علـــى أنفسهم دون تبعية للغرب و ينبذوا تقليده إلا في ما صلح من عملهم وبإمكانه إفادة الأمة ..؟